محافظة دير الزور السورية: بين الثراء الثقافي والتنوع الحضاري

تعتبر محافظة دير الزور واحدة من أهم المناطق الأثرية في سوريا والشرق، إذ يمر منها نهر الفرات فيقسمها لنصفين، حيث يتجسد تاريخها كأحد أقدم المراكز الحضارية في العالم، يعود تاريخ ابتكار الزراعة إلى آلاف السنين في هذه المنطقة، حيث تمثلت البدايات البسيطة للزراعة في تلك الأراضي ومناطق الجوار قبل نحو 12 ألف عام.

تُعد محافظة دير الزور موقعاً حافلاً بالآثار القديمة، حيث تظهر الحفريات الأثرية تجمعات بشرية تعود لفترات ما قبل الحضارة، تطوّرت في هذه المنطقة نظم المدن وتخطيطها خلال الحضارات السورية القديمة، وتُبرز المواقع الأثرية الباقية آثار الحضارات الرومانية والآشورية والبابلية والإسلامية.

على نفس موقع مدينة دير الزور الحالية، شهدت المنطقة تأسيس أكثر من مدينة على الأقل خلال تاريخها. ورغم تدمير التل في عام 1968، إلا أن هذه المدن الخمس تظل غامضة التاريخ، حيث يفتقد لدينا تفاصيل حول تاريخ تأسيسها وإنجازاتها.

أهم المدن الرئيسيّة في محافظة دير الزور

دير الزور

تعتبر مدينة دير الزور العاصمة الإدارية والثقافية للمحافظة. تأسست المدينة في القرن الثامن الميلادي وحظيت بتأثير كبير من قبل الحضارات السائدة في المنطقة. تعد جسرًا حضاريًا بين العراق وسوريا، وهي مشهد للعديد من المعالم الثقافية والتاريخية، مثل جسر الفرات ومتحف دير الزور الوطني.

البوكمال

تقع مدينة البوكمال شمالي محافظة دير الزور على الحدود مع العراق. تاريخها يعود إلى العصور القديمة، وهي مركز تجاري هام على طول تجارب الحرير. تشتهر بسوقها التقليدي ومعالمها التاريخية مثل معبد النبي حزقيال.

الميادين

تعتبر قلعة الميادين والمدينة التي تحمل نفس الاسم جزءًا من التراث الثقافي في المنطقة. تقع على ضفاف نهر الفرات وتشتهر بقلعتها الشامخة، وهي مركز ثقافي وتاريخي هام.

الشحيل

تأخذ مدينة الشحيل مكانة خاصة بين المدن في دير الزور، حيث تجمع بين التاريخ العريق والزراعة الوفيرة، تشتهر بمزارعها الخصبة وحقول النخيل، وتعكس تركيبة اقتصادية متنوعة.

المعالم الأثرية في محافظة دير الزور

قلعة الرحبة -الميادين-

تم إنشاء قلعة الرحبة على يد مالك بن طوق بن عتاب التغلبي في خلافة المأمون، ولذا سُميت باسمه. وعند وفاته، تولى ابنه أحمد بن مالك الحكم، لكنه طُرد منها من قبل ابن أبي السراج. استولى أبو طاهر القرمطي على الرحبة في عام 827 م.

تل الباغوز

. على بعد 2 كم من مدينة “البوكمال” يقع تل الباغوز الأثري الذي يرجع إلى الفترة الكلاسيكية، ويُعتقد أنه كان الخط الأمامي لمملكة “ماري” بفضل أبراجه المتباعدة وموقعه الاستراتيجي.

 يتميز تل الباغوز بحصن يعود تاريخه إلى عهد مدينة “ماري”، ويقع على قمة هضبة الباغوز، ويُعتبر حاجزًا فاصلًا بينه وبين مدينة “ماري” القريبة، حيث يفصلهما نهر “الفرات”.

. قرية اللقى الأثرية في تل بقرص

 تتوسط قرية اللقى الجنوبية ضفاف الفرات، وتُشكل مثالًا نموذجيًا للقرى العائدة إلى عصر الحجري، ويكمن جمال تل بقرص الأثري في تاريخه العميق.

تل الرمادي “البكعان”

أثر أقدم من مملكة ماري، موقع أثري هام على نهر “الفرات”، يبعد 105 كم جنوب شرق “دير الزور”، ويعود تاريخه إلى الألف الرابع قبل الميلاد، ويُعد “تل الرمادي” حلقة وصل بين الشمال والجنوب.

“مالحة الذرو”.. مدينتان: مرتفعة ومنخفضة

تل “مالحة الذرو” الأثري يعود إلى عصر البرونز القديم ويبعد 80 كم شمال شرق “دير الزور”، ويتميز بالآثار البارزة التي تم اكتشافها حديثًا.

أسواق دير الزور الأثرية

. تعد أسواق دير الزور الأثرية من أبرز المعالم التاريخية في المحافظة، حيث تمثل نموذجًا تقليديًا للأسواق وتعتبر العصب التجاري للمدينة.

البصيرة (قرقيسيا) وما ذكره الجغرافيون والمؤرخون عنها

 قرقيسيا، المعروفة اليوم بالبصيرة، كانت مدينة صغيرة في سوريا عند مصب نهر الخابور في الفرات، وتاريخها يعود إلى العصور القديمة، وتمثل اليوم أطلالًا أثرية قرب مدينة دير الزور.

حضارة الطين.. (اللبن)

تكمن حضارة الطين في منطقة الفرات الأوسط، حيث كانت المواد الطينية تشكل المكون الرئيسي للعمارة والبناء، وتميزت بأسوار ضخمة وقصور فاخرة.

تلك هي نقاط رئيسية حول عدد من المواقع الأثرية في محافظة دير الزور، تعكس تاريخها العريق والثقافة الغنية التي تحملها هذه الأماكن.

العادات والتقاليد المميزة في محافظة دير الزور

طلعة الچول -كما يسميها أهل دير الزور-

في أجواء من الفرح والترابط، تتسم طلعات الچول في محافظة دير الزور بروح اجتماعية مميزة يتفق الجميع على هذه الطلعات قبل أسبوع من موعدها، حيث يبدأ الإعداد بشراء الضروريات.

عند الوصول، يُقيم البعض خيمهم فيما يفضل البعض الآخر الاستمتاع بالطبيعة، تبدأ الفتيات بتجهيز الفطور الذي يتضمن غالبًا بيضًا وبطاطا سلقاً. بعد ذلك، ينطلق الجميع للتمشية واللعب.

يتبع ذلك تجهيز الغداء، حيث تتولى النساء المهمة بينما يعمل الشباب، على منقل الشواء، بعد الانتهاء يجلس الجميع لتناول الطعام ،بعد الغداء، تعاود اللعب وتُقام فعاليات ترفيهية واجتماعية. قبل العودة.

 لباس أهل دير الزور المميز

في تاريخ الملابس التقليدية في دير الزور، يأتي ضمن قائمة الأزياء المعتادة التي يرتديها السكان المحليون البشت الذي يعتبر عباءة من الصوف الأبيض، مصنوعة ومنسوجة في دير الزور. يتميز البشت بقصره واكمامه المعروفة باسم “عفري”، اشتقاقًا من بلدة “عفر” في العراق، ويُعد أحد أقدم أنواع العباءات التي ارتداها رجال دير الزور فوق ثيابهم.

تقتصر ارتداء البشت عادةً على الحمالين وبعض القرويين، وقديمًا كان يُصنع في المدينة من الحرير بألوان مختلفة، يرتديه الرجال والنساء. يُعرَف “البشت السلموني” بتصنيعه من القطن والليف، حيث يستورد من حلب، وكان يلبس بشكل رئيسي من قبل الحمالين والحطابين. فيما ظهرت أنواع من العباءات الصوفية، مثل “كالكسعدونية” و”اللومية”، والتي كانت تستخدم لتدفئة الخيول في فصل الشتاء.

الدخيل -كيف يكون-

تهدف الدخالة في ثقافة البادية إلى تخفيف حدة التوتر بين أفراد المجتمع، وإعادة سيطرة العوايد البدوية في حل الخلافات والنزاعات الفردية والجماعية. يُستخدم هذا التقليد لاستعادة التوازن في المجتمع عبر فرض الأعراف والتقاليد، مُجبرًا الطرف القوي على الالتزام بها مثل الطرف الضعيف، مسعى نحو تحقيق العدالة بين أفراد البادية وعشائرها بغض النظر عن القوة الفردية لكل طرف.

يمكن أن تكون الدخالة كلامًا أو فعلًا، حيث يعبر الفرد عن استعداده للحماية قائلاً “أنا دخيلك” أو “داخل على الله ثم عليك”. يمكن أيضًا أن يقوم الفرد بالدخول مستجيرًا إلى محل النساء والأطفال إذا كانت القضية خطيرة، مما يثير النخوة والحمية لمساعدته.

تُعتبر الدخالة طلبًا ضرورياُ للحماية، خاصة عند ارتكاب الفرد لجريمة ويخشى من اعتداء عشيرة المجني عليه. يُقدم الفرد نفسه من خلال شيخ أو عشيرة معروفة لتجنب الاعتداء عليه أو على أقاربه وممتلكاتهم. يلجأ البدوي أيضًا إلى الدخالة عند اتهامه بجريمة وينكر ارتكابها، مخشيًا الاعتداء عليه وعلى أقاربه وممتلكاتهم.

السليقة -من المؤونة عند أهل دير الزور-

السليقة، إحدى المأكولات التقليدية في دير الزور، يُفهم تحت مصطلح “السليقة” عمليّة سلق الحب القمحي في قدور كبيرة على نار هادئة، بهدف استخلاص البرغل الناعم والبرغل الخشن.

تأتي هذه العادة حينما يتم حفر خندق ووضع قدور مملوءة بالقمح والماء فوق النار، يجتمع الجيران حول هذه العملية الاجتماعية، ويصطف الأطفال بفرح يحملون أطباقهم في انتظار نضج السليقة. يُدار العمل بروح اجتماعية، ويتم توزيع جزء من السليقة على الأطفال قبل نشرها على السطوح بمجرد اكتمال السلقة.

أمثال شعبية

خوش بوش 

تقول العبارة “وَلِلنَّاسِ (فلان وفلان خوش بوش)” إن حالة هؤلاء الأشخاص واحدة، وهما يتشاركان بدون أي تفاوت في التكاليف، بل يظهران مترابطين بشدة.

الحق بالسيف والعاجز يدوّر شهود

كان هناك رجلان يمتلكان حقلين زراعيين متجاورين، حيث كان أحدهما قوياً لتجاوز حقل جاره الضعيف كان يتجاوز على جاره بطرق متعددة، من استخدام مياه الري بشكل مفرط إلى احتكار جزء من محصوله وفي إحدى المرات، قام بتحريك العلامات ليحصل على مساحة إضافية من الأرض على حساب جاره الضعيف، وصلت التجاوزات والعدوان إلى حد يجعل الجار الضعيف يشعر بالضيق، لذا قرر اللجوء إلى القاضي وتقديم شكواه.

عندما اقترح المتضرر حل المشكلة من خلال اللجوء إلى القاضي للحكم بينهم بالعدل، قابل الجار المعتدي ذلك بالتجاهل والإنكار، قال المتضرر له: “إذا كنت تنكر ذلك، فلنتوجه إلى القاضي ليصدر حكمًا عادلاً بيننا.” رد الجار المعتدي قائلاً: “ما هي حجتك و برهانك على تجاوزي؟” أجاب المتضرر: “لدي شهود يمكنهم الشهادة بالحق، سأحضرهم ليشهدوا على الظلم الذي تعرضت له.” رد الجار الآخر بتحدي، قائلاً: “أنا سأحضر شاهدي الواحد القوي”، وأشار إلى سيفه معبرًا عن اعتماده على القوة. فعلق الحاضرون بالقول “والضعيف يدوّر شهود”. وهكذا استمرت الكلمات في الدور التمثيلي بين الناس حتى يومنا هذا.

مع مين ثردت تا تغمس؟

هناك قول شائع يُستخدم للإشارة إلى أولئك الذين يسعون لإقامة أو تحقيق شيء كبير دون أي أصل أو تاريخ قائم، ويظهر ذلك بوضوح في حادثة وقعت خلال وليمة جمعت عدة قرى وبلدات.

تبادل شخصان مشادة أثناء الوليمة، وخرج أحدهما يتصرف كوكيل لـ “المعزبين”، بالرغم من عدم وجود له يد في الترتيبات أو المساهمة في الوليمة، بدأ هذا الشخص بإطلاق الأوامر، كما لو كان هو الشخص المسؤول عن الترتيبات.

في وقت تقديم الطعام، قام أحد كبار الضيوف بإشارة إلى الشباب المعزبين لوضع “صينية ثرود” أمامه، إلا أنهم وضعوا أمامه مرقة ولحماً في صحن، رفع الشخص المعزب نفسه وقال للشيخ: “أنتم مع مين؟ تاتغمس في ثردتكم؟”، مظهرًا بذلك استياءه من تصرفات الآخرين.”

الخاتمة

“في ختام رحلتنا التاريخية عبر محافظة دير الزور السورية، نجد أنها أرضٌ امتزجت فيها قطرات الزمن بحكاياتها العريقة والمتنوعة. من البقايا الأثرية التي تحكي عن حضارات قديمة إلى تجارب الحياة اليومية لسكانها الذين عاشوا وتأثروا بتحولات التاريخ.

شاركنا برأيك. ما الذي أعجبك في هذه المحافظة؟

مراجع 

  1. هنا دير الزور
  2. معالم محافظة دير الزور (شبكة مقالة)

قد تستمتع أيضًا

تعرف على أبرز 5 قلاع تاريخية في سوريا

تتميز القلاع والحصون كبنى تاريخية في معظم مدن العصور القديمة والوسطى، حيث استمرت وظيفتها الدفاعية حتى اليوم في العديد من المدن التاريخية في جميع أنحاء العالم، سواء في الشرق أو الغرب. عادةً، تقع القلاع في أماكن مرتفعة، مزودة بأبواب وتحصينات دفاعية، وتحيط بها الخنادق من كل جانب. مع مرور الوقت، تجدد بناء هذه القلاع وتضاف إليها مبانٍ إضافية.

تعرف على محافظة إدلب

تقع محافظة حلب شمال القطر العربي السوري، وتمتد بين خطي الطول 36.10 غرباً و 37.15 شرقاً، وخطي العرض 35.10 جنوباً و 36.15 شمالاً. تعتبر هذه المحافظة من الوجهات الحديثة التي تأسست في أيام الجمهورية العربية المتحدة، وتشغل مساحة قدرها 6100 كم2.

رحلة في تاريخ حلب

تُعد مدينة حلب في شمال سوريا محطة تاريخية غنية بالتأثيرات الثقافية والتطورات الاقتصادي، وتعتبر من أكبر المدن السورية من حيث عدد السكان، بلغ تعداد سكانها أكثر من 4.6 مليون نسمة، مما يجعلها العاصمة الاقتصادية للبلاد، تقع حلب على بعد حوالي 310 كم من العاصمة دمشق، في موقع استراتيجي يجعلها نقطة تجارية حيوية على طول طريق الحرير.

المزيد من المقالات

تتميز القلاع والحصون كبنى تاريخية في معظم مدن العصور القديمة والوسطى، حيث استمرت وظيفتها الدفاعية حتى اليوم في العديد من المدن التاريخية في جميع أنحاء العالم، سواء في الشرق أو الغرب. عادةً، تقع القلاع في أماكن مرتفعة، مزودة بأبواب وتحصينات دفاعية، وتحيط بها الخنادق من كل جانب. مع مرور الوقت، تجدد بناء هذه القلاع وتضاف إليها مبانٍ إضافية.
تقع محافظة حلب شمال القطر العربي السوري، وتمتد بين خطي الطول 36.10 غرباً و 37.15 شرقاً، وخطي العرض 35.10 جنوباً و 36.15 شمالاً. تعتبر هذه المحافظة من الوجهات الحديثة التي تأسست في أيام الجمهورية العربية المتحدة، وتشغل مساحة قدرها 6100 كم2.
تُعد مدينة حلب في شمال سوريا محطة تاريخية غنية بالتأثيرات الثقافية والتطورات الاقتصادي، وتعتبر من أكبر المدن السورية من حيث عدد السكان، بلغ تعداد سكانها أكثر من 4.6 مليون نسمة، مما يجعلها العاصمة الاقتصادية للبلاد، تقع حلب على بعد حوالي 310 كم من العاصمة دمشق، في موقع استراتيجي يجعلها نقطة تجارية حيوية على طول طريق الحرير.